سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً}.
وسبب ذلك أن أهل المدينة في الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم عن زوجة، كان ابنه وقريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، فإن شاء نكحها كأبيه بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها أو تَفْتَدِي منه نفسها بصداقها، إلى أَنْ تُوفِّيَ أبو قيس بن الأسلت عن زوجته كبيشة بنت معن بن عاصم فأراد ابنه أن يتزوجها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تُرِكْتُ فأُنْكَح، فنزلت هذه الآية.

{وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه خطاب لورثة الأزواج أن لا يمنعوهن من التزويج كما ذكرنا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وعكرمة.
والثاني: أنه خطاب للأزواج أن لا يعضلوا نساءهم بعد الطلاق، كما كانت قريش تفعل في الجاهلية وهو قول ابن زيد.
والثالث: أنه خطاب للأزواج أن لا يحبسواْ النساء كرهاً ليفتدين نفوسهن أو يَمُتْنَ فيرثهن الزوج، وهذا قول قتادة، والشعبي، والضحاك.
والرابع: أنه خطاب للأولياء وهذا قول مجاهد.

{إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِّينَةٍ} فيها ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الزنى، وهو قول الحسن، وأبي قلابة والسدي.
والثاني: أنها النشوز، وهو قول ابن عباس، وعائشة.
والثالث: أنها البذاء والأذى.
وقد روي عن مقسم في قراءة ابن مسعود «وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يُفْحِشْنَ».
{فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً} قال ابن عباس: يعني الولد الصالح.
قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيئاً} يعني أنهن قد ملكن الصداق، وليس مِلْكُهُنَّ للصداق موقوفاً على التمسك بهن، بل ذلك لهن مع إمساكهن، وفراقهن.

{أَتَأْخُذُونُه بُهْتَاناً} فيه قولان:
أحدهما: ظلماً بالبهتان.
والثاني: أن يبهتها أن جعل ذلك ليسترجعه منها.
وإنما منع من ذلك مع الاستبدال بهن وإن كان ممنوعاً منه وإن لم يستبدل بهن أيضاً لِئَلا يتوهم متوهم أنه يجور مع استبدال غيرها بها أن يأخذ ما دفعه إليها ليدفعه إلى من استبدل بها منه وإن كان ذلك عموماً.

قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن (الإفضاء) الجماع، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أنه الخلوة، وهو قول أبي حنيفة.

{وَأَخَذْنَ مِنكم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عقد النكاح الذي استحل به الفرج، وهو قول مجاهد.
والثاني: أنه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وهو قول الضحاك، والسدي، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
والثالث: أنه ما رواه موسى بن عبيدة، صعدة بن يسار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِندَكُم عَوانٌ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ فَلَكُم عَلَيهِنَّ حَقٌ وَلَهُنَّ عَلَيكُم حَقٌ، وَمِنْ حَقِّكُم عَلَيهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فَرشَكُم أَحدَاً وَلاَ يَعْصِينَكُمْ فِي مَعْرُوفٍ، فَإنْ فَعَلْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
واختلف في ثبوت حكمها أو نسخه على قولين:
أحدهما: أنها محكمة، لا يجوز له أن يْأخذ منها شيئاً مما أعطاها سواء كانت هي المريدة للطلاق أو هو، وهو قول بكر بن عبد الله المزني.
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ}، وهذا قول ابن زيد.
وقال أبو جعفر الطبري وغيره: حكمها ثابت عند عن خوف النشوز فيجوز أن يفاديها.

قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في قوم كانوا يَحْلُفْون الآباء على نسائهم، فجاء الإسلام بتحريم ذلك وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذواْ به إذا اجتنبوه في الإسلام، وهذا قول ابن عباس، وقتادة وعطاء، وعكرمة.
والثاني: يعني لا تنكحواْ كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد، إلا ما سلف منكم في جاهليتكم فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز الإقرار عليه، وهذا قول بعض التابعين.
والثالث: معناه: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز، إلا ما قد سلف منهم بالزنى والسفاح، فإن نكاحهن حلال لكم، لأنهن لم يَكُنَّ حلالاً، وإنما كان نكاحهن فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وهذا قول ابن زيد.
والرابع: إلا ما قد سلف فدعوه فإنكم تؤاخذون به، قالوه وهذا من الاستثناء المنقطع، ومنهم من جعله بمعنى لكن.
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} والمقت شدة البغض لقبح مرتكبه، ومنه قولهم قد مقته الناس إذا أبغضوه، ورجل مقيت، وكان يقال لولد الرجل من امرأة أبيه المقتي.
{وَسَاءَ سَبِيلاً} يعني طريقاً.


قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: والمحصنات من النساء يعني ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، وهذا قول علي، وابن عباس، وأبي قلابة، والزهري، ومكحول، وابن زيد.
وقد روى عثمان البَتّي عن أبي خليل عن أبي سعيد الخدري قال: لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قلنا: يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ قال: فنزلت هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
والثاني: أن المحصنات ذوات الأزواج حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، إذا اشتراها مشترٍ بطل نكاحها وحلت لمشتريها ويكون بيعها طلاقها، وهذا قول ابن مسعود، وأُبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنسٍ ابن مالك، وابن عباس في رواية عكرمة عنه وسعيد بن المسيب، والحسن، قال الحسن: طلاق الأَمة يثبت نسبها، وبيعها، وعتقها، وهبتها، وميراثها، وطلاق زوجها.
الثالث: أن المحصنات من النساء العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بعقد النكاح، أو ملك اليمين، وهذا قول عمر، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، وعبيدة السلماني، وعطاء، والسدي.
والرابع: أن هذه الآية نزلت في نساءٍ كُنَّ هَاجَرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج، فتزوجهن المسلمون، ثم قدم أزواجهن مهاجرين، فنهي المسلمون عن نكاحهن، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
وأصل الإِحصان المنع، ومنه حصن البلد، لأنه يمنع من العدو، ودرع حصينة أي منيعة، وفرس حَصان، لأن صاحبه يمتنع به من الهلكة، وامرأة حصان، وهي العفيفة لأنها تمتنع من الفاحشة، ومنه {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12].
{كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن معناه: حرم ذلك عليكم كتاباً من الله.
والثاني: معناه ألزموا كتاب الله.
والثالث: أن كتاب الله قيم عليكم فيما تستحلِّونه وتحرمونه.
{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَلِكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن معناه ما دون الخمس، وهو قول السدي.
والثاني: ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم، وهو قول عطاء.
والثالث: ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم، وهو قول قتادة.
{أّن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم} يعني أن تلتمسوا بأموالكم إما شراء بثمن، أو نكاحاً بصداق.
{مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} يعني متناكحين غير زانين، وأصل السفاح صب الماء، ومنه سَفَح الدمع إذا صبَّه، وسَفْح الجبل أسفله لأنه مصب الماء فيه، وسِفَاح الزنى لصب مائه حراماً.
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أي آتوهن صدقاتهن معلومة، وهذا قول مجاهد، والحسن، وأحد قولي ابن عباس.
والقول الثاني: أنها المتعة إلى أجل مسمى من غير نكاح، قال ابن عباس كان في قراءة أُبيّ: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}، وكان ابن عباس كذلك يقرأ، وسعيد بن جبير، وهذا قول السدي، وقال الحكم: قال عليّ: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، وهذا لا يثبت، والمحكي عن ابن عباس خلافه، وأنه تاب من المتعة وربا النقد.
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه لا حرج عليكم أيها الأزواج إن أعسرتم بعد أن فرضتم لِنِسَائكم مهراً عن تراض أن ينقصنكم منه ويتركنكم، وهذا قول سليمان بن المعتمر.
والثاني: لا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضتيم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى، إذا انقضى الأجل بينكم أن يزدنكم في الأجل وتزيدوهن في الأجر قبل أن يستبرئن أرحامهن، وهذا قول السدي.
والثالث: لا جناح عليكم فيما تراضيتم به ودفعتموه أن يعود إليكم عن تراض، وهذا قول ابن عباس.
{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: كان عليماً بالأشياء قبل خلقها، حكيماً في تقديره وتدبيره لها، وهذا قول الحسن.
والثاني: أن القوم شاهدواْ عِلماً وحكمة فقيل لهم إن كان كذلك لم يزل، وهذا قول سيبويه.
والثالث: أن الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل وهذا مذهب الكوفيين.


قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتَ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} في الطوْل ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الغنى والسعة الموصل إلى نكاح الحرّة، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، وابن زيد، والشافعي، ومالك.
والقول الثاني: هو أن تكون تحته حرة، وهو قول أبي حنيفة.
والقول الثالث: هو الهوى وهو أن يهوى أَمَةً فيجوز أن يتزوجها، إن كان ذا يسار وكان تحته حرة، وهذا قول جابر، وابن مسعود، والشعبي، وربيعة، وعطاء.
وأصل الطَوْل الفضل والسعة، لأن المعنى كالطول في أنه ينال به معالي الأمور، ومنه قولهم ليس فيه طائل أي لا ينال به شيء من الفوائد، فكان هو الأصح من تأويلاته.
واختلف في إيمان الأمَةِ هل هو شرط في نكاحها عند عدم الطَوْل على قولين:
أحدهما: أنه شرط لا يجوز نكاح الأَمَةِ نكاح الأَمَةِ إلا به، وهو قول الشافعي.
والثاني: أنه ندب وليس بشرط، فإن تزوج غير المؤمنة جاز، وهو قول أبي حنيفة.

قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} يعني بالمسافحة: المعلنة بالزنى.
{وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} هو أن تتخذ المرأة خدناً وصديقاً ولا تزني بغيره، وقد كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنى، ويستحلون ما بطن، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قرأ بفتح الألف حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، ومعنى ذلك أسلمن، فيكون إحصانها ها هنا إسلامها، وهذا قول ابن مسعود، والشعبي، وروى الزهري قال: جَلَدَ عمر ولائد أبكاراً من ولائد الإمارة في الزنى.
وقرأ الباقون بضم الألف، ومعنى ذلك تزوجن، فيكون إحصانها ها هنا تزويجها، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والحسن.
{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} يعني بها ها هنا الزنى.
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يعني نصف حد الحرة.
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: الزنى، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن زيد، وبه قال الشافعي.
والثاني: أن العنت الإثم.
والثالث: أنه الحد الذي يصيبه.
والرابع: هو الضرر الشديد في دين أو دنيا. وهو نحو قوله تعالى: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118].
{وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرُ لَّكُمْ} يعني الصبر عن نكاح الأمَةِ لئلا يكون ولده عبداً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8